الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد:28)
خلونا نفهم شو يعني أنو الواحد يكون حزين أو مكتئب (بتصرف من مقالة فرويد) بجوز إحنا متفقين على إنه الأحلام إلي بنشوفها بمنامنا زي المغرفة إلي بتطلع شو في داخلنا من اضطرابات نفسية خاصة إلي إلها علاقة بالأنانية وحب الذات. لكن خلّونا هسا نعاين ايشي دارج على لسانا إسمه الاكتئاب وشو بفرق عن الحزن. المشكلة إنه أعراض الاكتئاب صعب جمعها في سلة واحدة. جزء بطلع على بدنا وجزء بطلعلنا روحنا. لكن العين بصيرة واليد قصيرة والموضوع إلي بين إيدينا مع إنه سببه نفسي لا راحت ولا أجت، بعدو صعب علينا نعممو وما علينا إلا نقول إلعب بالمقصوص تا ييجي الطيار. ومن هون مش مشكلة لو لفينا الاكتئاب والحزن بنفس العباية،. بس حتى لو انخلق من الشبه أربعين، إلا يظل هناك فرق. إحنا بنعرف إنه الحزن بيجي ردة فعل على فقدان عزيز، أو حتى فقدان الوطن أو فكرة أمنا فيها وما قدرنا نحققها. وهذا شيء طبيعي. إللي مش طبيعي إنه عند بعض الناس المسألة ما بتوقف هون وبتتحول لمرض وهو إللي بنسميه اكتئاب. والشيئ الغريب إنه عمرنا ما فكرنا إنه نوخد الحزين لعند الحكيم، مع إنه إحنا ملاحظين إنه حياته اختلفت عن أول، لإنه الدارج بينا إنه الحزن مش علة وإنه المسألة مسألة وقت وبترجع الأمور لمجاريها. ومن هون اعتادت الناس تقول عنا إن شاء الله نهاية الأحزان. طيب شو إللي بميز الاكتئاب عن الحزن؟ الاكتئاب مشكلته إنه بعكّر المزاج ومش شويّ بس وغير هيك العالم الخارجي ببطل يعني إيشي بالنسبة للمريض وبموت في داخله كل احساس بالحب والحياة والحيوية. وأكثر من هيك إنه بقلل من قيمة نفسه وبحقرّها وبهينها وبتمنى الله يجازي على إللي حصل. وبجوز الصورة تتوضح أكثر إذا عرفنا إنه الحزن بتظهر فيه نفس أعراض الاكتئاب، بس قصة تحقير الذات وإهانتها مش واردة هون. مزبوط إنه الحزن الشديد بعد فقدان عزيز زيه زي الاكتئاب بعكر المزاج وببطل العالم الخارجي يعني الشي الكثير بالنسبة للمحزون- طول ما هذا العالم ما بذكّره بالعزيز إللي فقده وما في شي بعبي عينه زي إللي راح، وكل نشاط ما بشم فيه ريحة الحبايب ما إله قيمة. وهيك بنقدر نفهم ليش الأنا بتصير مقيدة، لإنها ما بتعرف غير الحزن وما بهما شيء آخر. ومن هون كمان بنقدر نقول إنه بعدو الأمر طبيعي لأنا بنقدر نحيط فيه من كل جوانبه. وحتى ما في مانع من إنه نوصف مزاج الحزن بالأليم ونمنح هذا الوصف شرعية، خاصة لما نصير في وضع يخلينا نوصف الألم بشكل فعّال. (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ» (يونس:57) خلينا هون نشوف كيف بصير الحزن من ناحية نفسية: الواقع بقول إنه الشيء العزيز ما عاد موجود. وهون بتعلى الأصوات: ما دام الشي ما عاد موجود خلينا نقطع كل صلات اللبيدو فيه. لكن شو المقصود باللبيدو؟ هذا تعبير يستخدم في علم النفس وبعني القوة اللي الشهوات واللذة بتتمثل من خلالها في الدماغ. والتحليل النفسي أثبت، إنه بعض المشكلات النفسية سببها خلل في اللبيدو. قلنا إنه صار عنا عدم ممناعة لقطع الروابط مع الشي اللي راح، على طريقة راح الله يسهل عليه. بس الأنسان بطبيعته أكثر تعقيد من هيك. الغالي ما بنباع رخيص حتى لو بدلوه بالذهب. وهون بصير الواحد بين حانا ومانا، ومش بس بالضيع إلحانا، ياريت بجوز حتى نصير نهلوس ونكابر بأنه هالشي ما ضاع وبعده موجود. بس برجع الواقع وبفرض نفسه، وإن كان مش دفعة واحدة خليها بالتقسيط وهذا بحتاج لجهد ووقت كبير لما تبدأ عملية فك الارتباط مع اللبيدو شوية شوية وكل الذكريات والأحلام اللي كانت تربط اللبيدو بالشي بتم تعطيلها حتى تحل محلها شغلات ثانية. يعني وكأنا بنحكي هون عن صلحة مؤلمة القاضي فيها هو الواقع إللي بنعيشه فقط. لكن هالصلحة ما بتكمل إلا لما ينحرق حطب كثير، يعني معاناة وألم لازم نعيشهم. والغريب بالأمر إنه إحنا بنشوف الشغلة وكإنها مسألة طبيعية. لكن كيف بتمّ هذه العملية، شرحها مش بهالبساطة. المهم بنتهي الحزن من هون وبترجع النفس مبسوطة وكانها عصفور كانت بقفص وهسا طار منه وصار حر طليق. (الشرح)«أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ. وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ» خلونا هسا نحاول نطبّق إللي تعلمناه من تجربتنا مع الحزن على الاكتئاب، إللي في حالات كثيرة هو نفسه بكون رد فعل على فقدان شيء عزيز، يعني موت هذا الشيء. بس في حالات معينة بكون هذا الفقدان مش بسبب الموت زي عروس تركها عريسها. غير هيك، مرات بتمسّك البعض بأنهم فقدوا شيء بس مش واضح إللهم شو إللي نقص عليهم، يعني إنه المريض نفسه مش واع شو إللي فقده. مثلا، في حالة الحزن وجدنا يأس والحياة صارت مش مفرقة، لكن الحزن هون اشتغل شغل الفرن إللي صهر كل هذه المشاعر إلي بدور داخل النفس، أو الأنا. إيشي شبيه بحصل في حالة الاكتئاب إللي بتتولد على الفقدان إللي مش محدّد هو نفسه إللي بكون وراء اليأس. بس الصورة هون بتكون مش واضحة، لأنه ما عنا قدرة نتصوّر شو إللي بشغل المريض ومسيطر عليه. شيء ثاني بنلاحظه عند المصاب بالاكتئاب ومش موجود في حالة الحزن هو الأنا إللي نزلت للحضيض وصارت خاوية فارغة، على عكس الحزن وين الأنا بتصير جمل المحامل والعالم حوليها قافر فارغ. مريض الاكتئاب بكره نفسه وبحقرها وبعتبرها عاجزة ودنيئة وبشتمها وبتوقع إنه يكون منبوذ وبستاهل يتعاقب. بتذلل قدام الناس الثانيين وبشفق على القربين منه كونه سببلهم العار. مشكلته إنه مش شاعر بالتغيير إللي صار له. بصب لعنته على الزمن واليوم إللي نولد فيه. وبعتقد إنه المتعوس متعوس من يومه. وياريت بس هيك، الزلمة لا نوم بنام ولا أكل بوكل وكأنه طلّق حتى الغريزة الطبيعية الموجودة في كل بني آدم والتي بتدفعه إنه يقربط بالحياة. بس مريض عامل مدعي عام على نفسه وحاملها لائحة اتهام ومش مخليلها ولا مبقيلها، شوف بدك توقف بوجه تا توقف. ولا بعدين ولا قبلين بلكي الزلمة يا عمي معو حق. وبدوش يخليها جوا تصطح، بدو يطلعها برة تفضح. بدون طول سيرة، الزلمة بايعها ويا دوب بتجيب راس مالها. بالعكس بعض الأشياء إللي بقولها لازم نتفهمها. لكن مش هون بيت القصيد. في إيشي داخله بغلي إحنا مش فاهمينه. إيشي زي إللي بصير وقت الحزن وبنخر الأنا. والتهم إللي بلبسها لحاله مش شغل تأبط شراً. وبجوز الزلمة يكون بعرف حقيقة نفسه أكثر من كثيرين مش مصابين بالاكتئاب. وهون بنتساءل: قولتك ضروري الواحد يمرض حتى يعرف حقيقة نفسه؟ (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها )(الشمس) هون لازم نعترف إنه إللي بتوصل لهذه الدرجة من المعرفة لذاته والكبير والصغير بعرف فيها، هو إنسان مريض، بغض النظر قال الحقيقة أو ظلم نفسه. وهذا بذكرنا بقول مأثور لشكسبير في مسرحية هملت(ليعامل كل امريء وفقا لمناقبه وفضائله، ومن ذا الذي هو محصّن ضد الخطب والنوائب). بس بظل سهل علينا نلاحظ إنه ما في هناك تكافؤ بين مقدار إذلال النفس وشرعية هذا الإذلال. زي حال المرأة إللي كانت شجاعة ومخلصة: مش راح تحكي عن نفسها لما تكون مكتئبة بشكل أفضل من المرأة إللي فش منها فايدة. غير هيك في شغله مهمة، إنه المكتئب ما بشبه بتصرفاته الشخص المكسورة نفسه وإلي الحسرة قاتلة، لأنه الحياء والخجل إللي بميزوا المكسورة نفسه مش موجودات عند المكتئب، إللي بوخذ راحة في الحديث بالعكس برتاح إنه بحكي عن كل صغيرة وكبيرة. ومن دون طول سيرة. إللي بهمنا هون، مش إذا كان المكتئب في حكمه إللي مش واقعي على نفسه على حق وبماشي حكم الثانيين عليه. مربط الفرس هون إنه شخص فقد احترامه لذاته بوصف حالته النفسية بالشكل الصحيح وإله اسبابه. بس إذا رجعنا وقارنا الموضوع بالحزن، راح نستنتج إنه في تناقض هون: إذا قسنا الموضوع على الحزن، هذا الشخص بعاني من فقدانه للشيء، بس زي ما نسمع منه، منفهم إنه بعاني من فقدانه لنفسه، او لأناه. لكن خلينا قبل ما نضيع بين حانا ومانا وتروح لحانا، نشوف شو خشب قوسها هذه الأنا إللي المكتئب وفرنا مشكور فرصة نعاينها من الداخل. عنده منلاحظ إنه جزء من الأنا واقف على سلاحه للجزء الثاني بروزه وبنقده وعامل منه خلينا نقول كون وركان. بس إن شاء الله إنه هذا إللي عامل قاضي على الأنا المنشق عنها بتطلعش فاضي لما ينحط على المحك. لكن مبين إللي لابس عسكر معبي بدلته ومن هون ما في مانع إنو نتعامل معه. بس لقدام شوية راح نكتشف إنه هذا المنشق راح يثبت حاله فعلا وراح يجبرنا إنه نحطه في كوم وباقي الأنا في كوم. بالعربي الدوغري هذا إللي بتسمو الضمير، إللي هو والوعي بشكلو عنين مفتحة على شو بصير بذيالنا. والاكتئاب هذا بسبب للأنا مشاكل كثيرة: مرة بتحس إنه بدنه هبط، وقامته زريت وغير إنه بشوف كل الناس أحسن منه. بس شرش المشكلة هون احتقار الواحد لنفسه. وهذه إللي ما بشوف المريض غيرها. بس إذا شوية دققنا في التهم إللي المريض مش موقف يوجهها لحاله، بنكتشف إنه هذه التهم زي التوب إللي يا دوب بيجي عليه. وإذا شوية هيك ففردا هالتوب، بنلاحظ إنه بيجي على شخص ثاني المريض بحبه، أو حبه، أو بدو يحبه. وهون بنبدأ نكوّن لحالنا صورة عن المرض. وبدل هالتهم ما تتوجهه للشيء العزيز، بسقطها المريض على نفسه. والمرأة مثلا إللي بتشفق على جوزها إللي ألله بلاه بحرمة لا للصدة ولا للردة. هي في الواقع بتقصد جوزها إللي فش زيه إله غراب البين. بس كمان مش لازم نتفاجأ إنه بين بعض التهم الحقيقية الموجهة للذات نفسها، منتشرة التهم إللي مقصود فيها الحدا الثاني. وبهالطريقة بصير صعب على الشخص إنه يفهم الأمور كيف تطورت وين ووصلت، خاصة وإنه الشغلة كلها ناتجة عن المشكلة إللي صارت وإللي خلت الحب بره. لكن بالنسبة إلنا بنصير نفهم تصرفات المريض بشكل أفضل، وإنه كل هالشكاوي وهالتهم إللي صابينا على حالهم المقصود فيها حدا ثاني. كل هذا الشيء ومن خلال عملية معينة بصب في إللي بتسمه في علم النفس انكسار النفس الاكتئابي. وهذه العملية النفسية مش هالقدة معقدة: حطينا عينا على شيء أو حدا معين. وهذا الحدا صارت بينه وبين الليبيدو علاقة. إساءة أو خيبة أمل كبيرة من جانب المحبوب، إللي كنا سمناه الشيء بتربط هذه العلاقة. لكن ما بترتب عليها سحب اللبيدو، زي ما بيصير بالعادة، وخلينا ندور للبيدو على شيء جديد. لا هناك لازم نوصل لنتيجة مربوط حصولها بشروط كثيرة. مزبوط إنه صرنا نلاحظ إنه في ضعف في مقاومة عملية إسقاط اللبيدو على الشيء، ومن هيك تمّ فك الارتباط معه. إلا أن اللبيدو المتحرر عن عملية فك الارتباط هذه، ما راح لشيء ثاني جديد، أللهم إنه بس سحبه إلى داخل الأنا، وهناك ما وجد إله وظيفة على قد المقام، ووُظّفه حتى تصير الأنا تتقرّب من الشيء المهجور، إللي بهالطريقة بفرض نفسه عليها، وهون بتم إصدار حكم بحقها، يعني بحق الأنا، من قبل حَكَمٍ خاص، إللي بنسميه هون الأنا الناقدة، على سبة إنه هذه الأنا صارت هي الشيء المهجور. وهيك بكون فقدان الشيء تحوّل لفقدان الأنا، والصراع بين الأنا والشخص العزيز تحوّل إلى مشكلة بين الأنا الناقدة والأنا المتغيرة من خلال التقرّب من الشيء المهجور. هناك شغلات كثيرة بنقدر نحس فيها مباشرة من خلال ظروف ونتائج هذه العملية؛ من جهة، لازم يكون هناك تَثبيِت قويّ على الشيء العزيز، ومن جهة ثانية وبشكل مخالف، لازم يكون هناك مقاومة ضعيفة لعملية الإسقاط على الشيء. وبظهر إنه هذا التناقض، زي ما لاحظ وبشكل صحيح رانك ، بحاول إنه يكون اختيار الشيء بتمّ على أساس نرجسي، حتى الإسقاط على الشيء، في حال كانت هناك مشاكل، برجع وبرتد للوراء إلى النرجسية. ساعيتها بتحوّل التماهي النرجسي إلى بديل لإسقاط الحب، وعلى هالحكي بترتب إنه ما في تنازل عن علاقة الحب، حتى لو كان في هناك نزاع مع الشخص العزيز. زي هيك بديل لحب الشيء من خلال التماهي، بشكل، بالنسبة للعلل النرجسية، آلية مهمة؛ لانداور قدر قبل فترة قصيرة من إنه يكشف عنها من خلال عملية تدواي لفِصام الشخصية 2. وهي بتشبه النكوص عن أحد أنماط اختيار الشيء إلى النرجسية البدائية. حكينا في السابق، أنه التماهي هو التمهيد لاختيار الشيء. وهذا الشيء حابب إنه يكون منبوذ، وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار المرحلة الفمية أو الكنبالية لتطور اللبيدو عن طريق وضع الشيء في الفم. ومع هذه بربط أبراهام ، وبحق، رفض تناول الطعام، والذي يظهر في حال تفاقم الوضع الاكتئابي. إن الاستنتاج الذي تطالب به النظرية، والذي ينقل الاستعداد للإصابة بمرض الاكتئاب أو جزء منه إلى سيطرة النمط النرجسي لاختيار الشيء، بعد ناقصه بحث وتمحيص . كنت في البداية عممت، إنه المادة التجريبية لهذه الدراسة ما بتكفي حتى تثبت صحة حكينا. بس إذا شفنا إنه في توافق بين الملاحظة واستنتاجاتنا، ساعيتها ما عنا مشكلة إنه نتقبّل النكوص عن الإسقاط على الشيء وارتداده إلى مرحلة اللبيدو الفمّيّة، والتي لا تزال تعود إلى النرجسية ضمن خاصية الاكتئاب. فالتماهي مع الشيء ليس نادر الحصول في حال العُصاب الإرسالي، بل آلية عمل معروفة لنشوء الأعراض، خاصة في حال الهيستيريا. لكن بنقدر نلاحظ الفرق بين التماهي النرجسي والهستيري: في الحالة الأولى يتمّ التنازل عن الإسقاط على الشيء، عكس الحالة الثانية وبخلف أثر يقتصر عادة على بضع أفعال وتزود أعصاب معينة. وعلى أي حال، فإن التماهي حتى في حال العُصاب الإرسالي، هو تعبير عن تجميع طاقات قد يعني الحب. إن التماهي النرجسي هو الأكثر بدائية ويفتح منفذاً أمامنا للولوج إلى فهم التماهي الهيستيري الذي حظي بعناية أقل. ومن الأدعية المأثورة في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «ما أصاب أحدًا قطُّ همٌّ ولا حَزَنٌ فقال اللهمَّ إني عبدُك ابنُ عبدِك ابنُ أمَتِك ناصيَتي بيدِك ماضٍ فيَّ حُكمُك عَدْلٌ فيَّ قضاؤُك أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك أوْ علَّمْتَه أحدًا مِنْ خلقِك أو أنزلته في كتابِك أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك أنْ تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ صدري وجلاءَ حُزني وذهابَ هَمِّي إلا أذهب اللهُ همَّه وحُزْنَه وأبدله مكانه فَرَجًا قال : فقيل : يا رسولَ اللهِ ألا نتعلمُها فقال : بلى ينبغي لِمَنْ سمِعها أنْ يتعلمَها. إذا الاكتئاب بستعير جزء من هالته أو طبيعته من الحزن والجزء الآخر من عملية نكوص الاختيار النرجسي للشيء بارتداده إلى النرجسية. هو، زي الحزن، رد فعل على فقدان حقيقي للشيء العزيز، ولكنه، عوضاً عن ذلك، موصوم بشرط يفتقر إليه الحزن العادي، أو إذا ما توفّر في الحزن العادي، حوّله إلى حالة مرضيّة. يشكل فقدان الشيء العزيز سبباً وجيهاً للفت الانتباه إلى الازدواجية في علاقات الحب وإبرازها. فأينما وجد استعداد للإصابة بعُصاب وساوسي، يمنح الصراع المترتب على الازدواجية الحزن شكلا مرضيا ويجبره على التعبيرعن ذاته في صيغة توجيه اتهامات لها، بأن المرء ذاته هو الذي تسبب بفقدان الشيء العزيز، أي سعى إلى ذلك. مثل هذا الهبوط في القوى الحيوية أو النشاط الوظيفي ذي الطابع العصابي الوسواسي بعد وفاة أشخاص عزيزين، يوضّح لنا، ما الذي يقوم به الصراع المترتب على الازدواجية في حد ذاته، في حال كان الشمل النكوصي للبيدو غائبا. تتخطى أسباب الاكتئاب في الغالب بتروح أبعد من فقدان الشيء بشكل واضح زي الموت مثلا وبتشمل كل أوضاع الاستياء والاستخفاف والتجاهل وخيبة الأمل، واللي من خلالها يظهر نقيض للحب والكراهية في العلاقة، أو تتعزّز إزدواجية كانت أصلا قائمة. ومش لازم إهمال الصراع المترتب على الازدواجية هذه، والتي بتظهر خاصة مع وجود شروط الاكتئاب هذه، مرة أكثر واقعية، ومرة أكثر بنيوية. لكن إذا حصل وأن حُبَّ الشيء، وإللي ما تمّ التنازل عنه، في الوقت اللي تمّ فيه التنازل عن الشيء ذاته، أن وجد ملاذا له في التماهي النرجسي، حينئذ تنشط الكراهية ضد بديل الشيء هذا، ألا وهو الشخص ذاته، وذلك من خلال سبّه وإهانته وجعله يُقاسي وأن يحظى بلذة ساديّة من خلال هذا العذاب. أما تعذيب الذات في حالة الاكتئاب، واللي بتضل المتعة جزء منها، فهي زي ظاهرة العُصاب الوسواسي، إشباع تلك الميول السادية والكراهية الموجهة نحو الشيء، والتي، وأثناء سلوكها هذا الطريق، غيّرت مجراها وانحرفت نحو ذات الشخص. وفي الحالتين المرضى بنجحوا عبر سلوك الطريق غير المباشر من خلال عقاب الذات بالانتقام من الأشياء الأصلية ومضايقة أحبائهم من خلال الظهور بوضعية المرض، بعد أن يكونوا قد ألقوا بانفسهم إليه، تجنبا للكشف عن عداوتهم بشكل مباشر. فالشخص، الذي استثار اضطراب المشاعر لدى المريض، والذي تتوجه نحوه وضعية المرض، هو عادة ما يتواجد في محيط المريض المباشر. وهيك بكون إسقاط حب المكتئب على شيئه تعرّض إلى قدرين مزدوجين؛ من جهة انتكص وتراجع للتماهي، ومن جهة ثانية وتحت تأثير الصراع المترتب على الازدواجية تمّ ردّه إلى المرتبة الأقرب منه من السادية. والسادية هذه هي فقط الكفيلة بأنها تحلنا لغز الاستعداد للانتحار، واضعة الاكتئاب في تلك المنزلة من التشويق ومن – الخطورة أيضا. لقد أدركنا، كوضع بدائيّ تنطلق منه غريزة الحياة، عظم حب الأنا لذاتها. ويكشف لنا الخوف الذي يظهر عند تعرّض الحياة للخطر، تحرّر قدر ضخم من الليبيدو النرجسي إلى درجة لا يمكننا معها الاستيعاب، كيف بتقدر هذه الأنا أنها توافق على دمار نفسها. صحيح إحنا بنعرف ومن زمان، إنه ما في عُصابيّ بحس نوايا الانتحار، غير المربوطة بحس إجرام تجاه الآخرين وبرجع بقلبها على حاله، إلا إنه بضل مش مفهوم توازن القوى هذا إللي بمكن هذه النوايا من إنها تنجح في إنها تحقق هدفها. فتحليل الاكتئاب يكشف لنا، إن الأنا يمكنها فقط أن تقتل ذاتها، إذا ما تمكنت من معاملة ذاتها كشيء، وذلك من خلال نزع الاسقاط عن الشيء وإذا ما حوّلت كل من العداء المنصبّ على شيء وذلك العداء الذي يمثل رد الفعل البدائي للأنا ضد أشياء تقع ضمن إطار العالم الخارجي نحو ذاتها. صحيح أن الشيء كان قد أُبطل عند النكوص عن اختيار الشيء النرجسي، إلا أنه أثبت أنه أكثر قوة من الأنا ذاتها. ففي الموقفين المتناقضين والمتمثّلين بعشق شديد من جهة، والانتحار من جهة أخرى، يتمّ، حتى ولو بطرق مختلفة جدا، تغلب الشيء على الأنا. كما يتضح، خاصة فيما يتعلق بخاصية الاكتئاب البارزة، بروز الخوف من الفقر، والسماح بتحويل الشهوة الشرجية المنتزعة من صلاتها والمتحولة بشكل نكوصي/ ارتداديّ. بس الاكتئاب برجع وبحطنا أمام أسئلة أخرى، صعب إنه نجاوب على بعضها. أما كون الاكتئاب بروح بعد فترة زمنية معينة، دون ما يترك آثار قاسية ملموسة، فهذه صفة بتقاسمها مع الحزن. فالزمن ضروريّ من أجل العمل على تحري الواقع بشكل تفصيلي، ذلك العمل الذي تحصل الأنا بموجبه على إفراج عن اللبيدو الذي كان بربطها بالشيء المفقود. ويمكننا الاعتقاد أن الأنا خلال الاكتئاب تكون منشغلة بعمل مشابه. أما فهم ما يجرى هنا وهناك، فيبقى غائبا. فالأرق الناتج عن الاكتئاب يشهد على تشنج الموقف واستحالة التخلص من الاسقاطات التي تشغل دوما وتحول دون النوم. فالمركب الاكتئابي يتصرف كما الجرح المفتوح، جاراً نحوه ومن جميع الجهات طاقات إسقاط (والتي كنا قد أطلقنا عليها عند الحديث عن عُصاب الإسقاط "إسقاطات مضادة") ومفرّغاً الأنا حتى درجة الافقار التام؛ وقد يبرهن في النهاية أن الاكتئاب مقاوم لرغبة الأنا في النوم. وعلى ما يبدو إنه عامل جسدي، نفسي صعب نوضحه ببين خلال التسكين المنتظم للوضع في ساعات المساء. وبهذا النقاش يُلحق السؤال، عما إذا ما كان فقدان الأنا دونما اعتبار للشيء (إهانة نرجسية خالصة للأنا) يكفي لخلق صورة الاكتئاب، وإذا ما كان إفقار سمومي مباشر للبيدو يسفر عن أشكال معينة للعلة. أما خصوصية الاكتئاب الأكثر غرابة والأكثر احتياجا للتوضيح، فتكمن في ميله إلى التحوّل إلى وضع الهوس الذي يقف على النقيض منه من ناحية الأعراض. ولكن من المعروف أن ليس كل اكتئاب يلقى مثل هذا المصير؛ فالكثير من الحالات تحدث في شكل معاودات دورية، لا تبوح نوباتها بمسحة من الهوس، وإن باحت، فبالقليل القليل منه. يظهر في حالات أخرى ذلك التناوب المنتظم لمراحل الاكتئاب والهوس، والذي وجد تعبيرا له في كينونة الجنون الدورية. ربما تعرض المرء لغواية استثناء هذه الحالات من المفهوم النفساني، لو لم يكن التحليل النفسي قد استقدم للكثيرمن هذه الحالات حلولا على غرار التأثير العلاجي. إذا ليس فقط مسموحا، بل حتى ضروريا بسط الدراسة التحليلية للاكتئاب لتشمل الهوس أيضاً. بقدرش أوعد، بأن تكون هذه المحاولة مرضية بالكامل، إذ أنها لا تتعدى كونها توجها أوليّا. فتحت تصرفنا هنا مفتاحين: الأول انطباع نفسي- تحليلي، والآخر، إذا جاز لنا القول، تجربة عامة. أما الانطباع، والذي كان عدة باحثين في التحليل النفسي قد صاغوه بالكلمات، فيذهب إلى أن الهوس لا يحمل مضمونا آخر يختلف عن مضمون الاكتئاب، وأن كلا العلتين تصارع نفس "المركب"، والذي ربما كانت الأنا قد وقعت ضحيته في حال الاكتئاب. في حين أنها تتغلب عليه أو تدفع به جانبا في حال الهوس. أما المفتاح الثاني، فتوفّره التجربة التي تشير إلى أن كل حالات الفرح والابتهاج والنصر، والتي تعكس نموذج الهوس العادي، تميط اللثام عن المشروطية الفعالة ذاتها. فالأمر يتعلق بتأثير يصبح من خلاله، وأخيراً، جهد نفسيّ كبير كان قد حُوفظ عليه فترة طويلة، أو مبذول بحكم العادة، غير ضروري. حينئذ يصبح جاهزا لاستخدامات وإمكانات طرح متنوعة، على سبيل المثال: إذا كان هناك من فقير بائس، ومن خلال كسب قدر كبير من المال، قد تخلص فجأة من الهم المزمن المرتبط بكسب لقمة العيش، أو إذا تتوج صراع طويل وشاق بالنجاح، أو إذا أصبح المرء في وضع يتخلص فيه، وبضربة واحدة، من وطأة إكراه ومن رياء ومدارة مستمرة منذ فترة طويلة، وما شابه ذلك. تتميّز كل هذه المواقف من خلال المزاج المبتهج ومن خلال لغة التعبير عن الشعور بالفرح ومن خلال استعداد متنام لكل ألوان الفعل والنشاط، تماما مثل حال الهوس، وعلى العكس تماما من الاحباط والتثبيط المقترن بالاكتئاب. بل يمكننا حتى القول، أن الهوس ليس شيئا آخر سوى ذلك النصر. إلا أنه يبقى محجوبا عن الأنا، فلا تعلم ماذا قهرت وعلام انتصرت. ويفترض رأي غير المختصين، أن المرء في مثل هذه الحالة الهوسية متوثب للعمل والحركة، لأن المرء هكذا في "مزاج جيد". على المرء أن يقوم بفك هذا الاستدلال الخاطئ. فالذي حصل، أن ذلك الشرط الفعال قد تحقق في النفس، ولذلك فإن المرء، من جهة في مزاج مبتهج، ومن جهة أخرى بلا كبت ينطلق في عمل ونشاط. خلونا نجمع التلميحين حتى تظهر النتيجة: في حال الهوس، الأنا لازم تكون تغلبت على فقدان الشيء (أو الحزن على فقدان الشيء، أو بجوز الشيء نفسه) ليصير كامل المقدار من الإسقاط المضاد، والذي كان عناء الاكتئاب المؤلم قد جرّد الأنا منه وربطه بذاته، تحت التصرف. فالمكتئب يبيّن لنا بشكل واضح أيضا تحرره من الشيء الذي عانى منه، وذلك من خلال رغبة شديدة نحو الإسقاط على أشياء جديدة. يبدو هذا التوضيح عقلانيا، ولكنه يفتقر، أولا، إلى تحديد متين، ويترك، ثانيا، المجال لطرح أسئلة وشكوك جديدة تتعدى قدرتنا في الرد عليها. ومع ذلك لا نريد هنا التملص من نقاش الأسئلة والشكوك ذاتها، وحتى لو نكن لنتوقع، أن نجد من خلالها الطريق نحو الوضوح.
(ق)(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) بداية: أجل، يتغلّب الحزن الطبيعي على فقدان الشيء ويمتص طيلة وجوده كل طاقات الأنا. لكن لماذا لا يظهر في الحزن الشرط الفعال لمرحلة انتصار بعد انقضائه? أرى أنه من المستحيل الرد على التساؤل بشكل سريع وغير متروٍ. فنحن لا نستطيع حتى ذكر الوسائل الفعالة التي يمارس الحزن من خلالها مهمته. بس بجوز يساعدنا التخمين هنا. فالواقع يُنزل حكمه بكل تلك الذكريات والتوقعات التي تُظهر اللبيدو مرتبطا بالشيء المفقود، بأن الشيء لم يعد موجودا. وهو في نفس الوقت بمثابة وضع الأنا أمام السؤال: إذا ما كانت تريد أن تَلقى نفس المصير. أما بقاء الأنا على قيد الحياة وفصل ارتباطها بذلك الشيء المدمّر، فذلك ما تحدده محصلة الإشباع النرجسي. يمكن للمرء أن يتخيل أن مثل هذا الحل يعمل ببطئ ويتقدم خطوة خطوة، بحيث يتبدد الجهد العاطفي المبذول مع نهاية فعل الحزن. بضل مغري البحث عن طريق لعرض الفعل الاكتئابي عن طريق التكهن حول فعل الحزن. إلا طريقنا سرعان ما تعترضه الحيرة والارتباك، خاصة وأننا، بالكاد، كنا قد تعرضنا لوجهة النظر المرتبطة بالموقع في حال الاكتئاب، ولم نطرح السؤال: في، وبين أي المنظومات النفسية يجري فعل الاكتئاب. أي مِنَ العمليات النفسية للعلة تجري بعد في إسقاطات الشيء غير الشعورية، وأي في التماهي البديل الحاصل في الأنا؟ ما أسرع أن ينطلق اللسان، وما أسهل أن يكتب القلم، أن "تصور-(جماد) الشيء اللاشعوري قد هَجَره اللبيدو". واقع الحال، أن هذا التصور تشكّله انطباعات جزئية يطول عددها (آثار/ مخلفات لا شعورية لها). وتنفيذ سحب اللبيدو هذا لا يمكن أن يكون لحظيا، بل كما في حال الحزن عملية طويلة الأمد تتقدم تدريجيا. وإذا ما كانت تبدأ وفي نفس الوقت في أماكن كثيرة، أو تتضمن بشكل أو بآخر ترتيبا محددا، فليس من السهل الفصل في ذلك. ففي عمليات التحليل (النفسي) تنشط تارة هذه الذكرى، وطورا أخرى، كما أن الشكاوى المتناظرة والمنهكة من خلال رتابتها، تُبعث في كل مرة عن سبب لا شعوري مختلف. فإذا كان الشيء ليس بتلك الأهمية الكبيرة التي تعززها ألوف مولّفة من الروابط بالنسبة للأنا، حينئذ لا يميل فقدانه إلى التسبب بحزن، أو اكتئاب. إذا يمكن عزو طبيعة التنفيذ الانفرادية لفصل اللبيدو إلى الاكتئاب وبنفس الطريقة إلى الحزن، حيث يقوم، ربما، على نفس الشروط الفعالة ويخدم نفس الميول. وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً (الإسراء:85) إلا أن الاكتئاب، زي ما بنعرف، مقرون بمضمون أكبر من الحزن العادي. فعلاقته بالشيء ليست بذات البساطة، إذ تتعقد من خلال صراع قائم على الازدواجية. والازدواجية هذه إما بنويّة، أي عالقة بكل علاقة حب لهذه الأنا، أو نتيجة مباشرة للحوادث التي تصاحب التهديد بفقدان الشيء. ومن هون يمكن للاكتئاب في بواعثه أن يتعدى حدود الحزن، والذي، أي الحزن، ينبعث فقط من خلال فقدان الحقيقة الماثلة في موت الشيء. إذا يدور في حال الاكتئاب عدد هائل من المعارك المنفردة على الشيء، حيث تتصارع الكراهية والحب مع بعضهما البعض، الأولى من أجل فك اللبيدو عن الشيء، والأخرى للمحافظة على مكانة اللبيدو هذه في مواجهة الهجمة. هذه المعارك المنفردة لا يمكننا وضعها في أي نظام آخر، سوى في اللاوعي/ اللاشعور، أي في الشيء. إذا يدور في حال الاكتئاب عدد هائل من المعارك المنفردة على الشيء، حيث تتصارع الكراهية والحب مع بعضهما البعض، الأولى من أجل فك اللبيدو عن الشيء، والأخرى للمحافظة على مكانة اللبيدو هذه في مواجهة الهجمة. هذه المعارك المنفردة لا يمكننا وضعها في أي نظام آخر، سوى في اللاوعي/ اللاشعور، أي في حيّز أطلال الذاكرة الموضوعية (خلافا لإسقاطات الكلمة). وتجري محاولات فك الارتباط في حال الحزن. إلا أنه في حال هذا الأخير ليس هناك من عقبة تقف في وجه استئناف هذه العمليات عبر الطريق الطبيعي من خلال الحيز الماثل بين اللاوعي والوعي صعودا إلى الوعي/ الشعور. هذا الطريق مغلق أمام الفعل الاكتئابي ، ربما نتيجة للعديد من الأسباب أو تضافرها معا. تعود الازدواجية البنيوية مبدئيا إلى ذلك المكبوت. بجوز التجارب الأليمة/ ذات الصدمة النفسية كانت نًشّطت غيرها من المكبوتة. وهيك بضل كل ما بدور من صراعات قائمة على الازدواجية متواريا عن الوعي حتى تطرأ النتيجة غير المميزة للاكتئاب، حيث يترك أخيرا الإسقاط على اللبيدو المعرض للخطر الشيء، ولكن فقط من أجل أن يعود فيأوي إلى حيث الأنا، تلك الذي كان قد انطلق منها. فالحب يكون هكذا قد أفلت من الإلغاء من خلال هربه إلى الأنا. وبعد نكوص اللبيدو هذا، تصبح هذه العملية شعورية وتقدم نفسها إلى الوعي/ الشعور كصراع بين جزء من الأنا وذلك الجزء النقدي منها. إذا ما يتنامى إلى الوعي/ الشعور بفعل الاكتئاب ليس ذلك الجزء الجوهري منه، ولا ذلك الذي نتوقع منه تأثيرا على فك المعاناة. فالأنا، كما نرى، تحط من قدر نفسها وتغضب منها، ونجهل، زينا زي المريض، لوين بودي كل هذا الشي وكيف بتغيّر. وبجوز نرجع جهد زي هيك للجزء غير الشعوري من الفعل، خاصة وأنه مش صعب نشوف تشابه بين فعلي الاكتئاب والحزن. وفي الوقت إللي الحزن بدفع الأنا إلى التخلي عن الشيء، بأن يعلن موت الشيء، ويمنحها مكافأة البقاء على قيد الحياة، تقوم الصراعات القائمة على الازدواجية، كل على حدا، بتخفيف تَثبِيت اللبيدو على الشيء، بأن تقلل من قيمة الشيء وتحط من قدره، كما لو كان ذلك بمثابة قتل له أيضاً. ويبقى الاحتمال واردا في أن تنتهي العملية في العقل اللاواعي/ اللاشعور، سواء بعد أن يكون الغضب قد همد، أو بعد التخلي عن الشيء كونه عديم القيمة. إلا أننا نفتقر إلى نفاذ البصيرة في أي من هاتين الامكانيتين تضع، بشكل منتظم، أو غالبا، حدا للاكتئاب، ناهيك عن كيفية تأثير هذا الإنهاء على مجرى الحالة لاحقا. وربما وفّر كل ذلك شعورا بالرضا للأنا، إذ أنه يمكنها ان تنظر إلى نفسها كونها الأفضل، المتفوقة على الشيء. إذا قدرنا أن نأخذ بهذا الرأي الخاص المتعلق بفعل الاكتئاب، إلا أنه لا يسعفنا بتوضيح ما انطلقنا من أجله. بنتوقع نتعرف على الشرط الفعال لحصول الهوس بعد انقضاء الاكتئاب من الازدواجية، والتي تسيطر على هذه العلة، ربما استند إلى تناظرات تتبع حقول أخرى مختلفة. ولكن يبقى هناك حقيقة حري بظننا أن يخضع لها؛ فمن شروط الاكتئاب الثلاثة: فقدان الشيء والتناقض ونكوص اللبيدو إلى الأنا، نجد الشرطين الأولين ماثلين في الاتهامات القسرية الواردة بعد حالات الموت. فهناك الازدواجية التي تشكّل، بلا شك، المحرك للصراع. وكما تكشف الملاحظة، لا يبقى بعد انقضاء ذلك أثر لانتصار هوسي. وهيك بتم لفت انتباهنا إلى العامل الثالث كونه الوحيد المؤثّر. ذلك التكدس من الإسقاطات، التي بتكون في البداية مقيدة وتتحرر بعد إنهاء فعل الاكتئاب وإللي بتخلي الهوس يصير ممكن، لازم تكون على علاقة بنكوص اللبيدو وارتداده إلى النرجسية. فالصراع في الأنا، والذي يقوم الاكتئاب باستبداله بالقتال من أجل الشيء، يجب أن يؤثر شبيها بجرح أليم يحظى بإسقاط مضاد عال جدا. ولكن يبدو من المفيد هنا التوقف وتأجيل تقديم توضيح إضافي للهوس حتى تتوضح الصورة أكثر بالنسبة للطبيعة الفعالة، بالأول من جانبها الجسدي ، وبعدين من جانب الألم النفسي. إحنا بنعرف ، أن سياق المشاكل النفسية المُتَضمّنة يجبرنا على وقف كل بحث ودراسة قبل إنجازها، حتى نتوصل لنتائج . (البقرة)(وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)